أنَّ الله تعالى المحيط العليم, ومن ثمَّ رسوله
الكريم – عليه أفضلُ الصلاةِ وأتمُّ التسليم - لم يتركونا هملاً وغنيمةً للشيطان
الرجيم, وجاء التحذير منهُ في الوحي الحكيم. وما علينا إلا أن نلتزم بما جاءنا من
التعاليم لنكونَ في الحصن العميم, ولنفوز بالأجر العظيم.
وإنَّ المسلمَ ليجاهد أربعاً حتى يخرج من هذهِ الدنيا بقلبٍ سليم؛ قال
تعالى : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنَا}([1]) ,
قالَ ابنُ القيِّم: (عَلَّقَ
سُبْحَانَهُ الْهِدَايَة بِالْجِهَادِ فأكمل النَّاس هِدَايَة أعظمهم جهادا وأفرض
الْجِهَاد جِهَاد النَّفس وَجِهَاد الْهوى وَجِهَاد الشَّيْطَان وَجِهَاد
الدُّنْيَا فَمن جَاهد هَذِه الْأَرْبَعَة فِي الله هداه الله سبل رِضَاهُ الموصلة
إِلَى جنته وَمن ترك الْجِهَاد فَاتَهُ من الْهدى بِحَسب مَا عطل من الْجِهَاد. قَالَ الْجُنَيْد
وَالَّذين جاهدوا أهواءهم فِينَا بِالتَّوْبَةِ لنهدينهم سبل الْإِخْلَاص وَلَا
يتَمَكَّن من جِهَاد عدوه فِي الظَّاهِر إِلَّا من جَاهد هَذِه الْأَعْدَاء بَاطِنا
فَمن نصر عَلَيْهَا نصر على عدوه وَمن نصرت عَلَيْهِ نصر عَلَيْهِ عدوه.) ([2])
* أولاً:
الشيطان الذي يزيّن أعمال أتباعهِ: {فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ
الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}([3]),
ويعدهم بالفقر ويأمر بالفحشاء: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ
الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء }([4]),
ثمَّ يستحوذ عليهم لينسيهم الله: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ
الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ }([5]),
ثمَّ يتبرأ منهم: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ
اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ
الْعَالَمِينَ }([6]),
والله حذرنا منهُ: { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ
إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }([7]),
وعلَّمنا إن نستعيذ منهُ: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ
الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
}([8]).
* ثانياً:
اتباع الهوى الذي يضلُّ صاحبهُ وينسيه الآخرة:{وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ
الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ
الْحِسَابِ}([9]),
ومن لم يستجب فقد ضلَّ: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ
فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ
}([10]),
فالخوف من الله هو السبيل: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ
رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}([11]).
* ثالثاً:
الدنيا التي زيّنتْ لأصحابها فاشتروها وباعوا الآخرة:
{ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}([12]),
{أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ}([13]),
ونسوا
لغفلتهم قوله تعالى: {إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ
لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ
عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ}([14]),
مع أنَّ الله أعلمهم:{اعْلَمُوا
أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ
وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ}([15]),
{وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}([16]),
فأصبحوا كافرين: {ذَلِكَ
بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ
لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}([17]),
فنساهم
الله كما نسوه: {الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً
وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ
لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا }([18]),
والله لم يحرِّم علينا الدنيا بما فيها بل أمرنا أن
لا ننسى نصيبنا مما فيها من طيبات: {وَابْتَغِ فِيمَا
آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا
}([19]),
فهو الذي تكفل لم أطاعهُ بالولاية وحسن الخاتمة: {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ
وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ}([20]),
اللهمَّ :{أَنتَ وَلِيِّي
فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}([21]).
* رابعاً:
النفس الأمَّارة بالسوء:{ إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ
}([22]),
فهذا قابيل خَسِرَ بما طوعت لهُ نفسه:{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ
مِنَ الْخَاسِرِينَ}([23]),
وهذا السامري جعل من العِجْل إلاهاً بما سوَّلتْ
لهُ نفسهُ: {وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}([24]),
وهناك رابط بين النفس والدنيا والهوى:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ
يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ
عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ
أَمْرُهُ فُرُطاً}([25]), وفي
الخوف من الله الخلاص: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ
وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}([26]),
وإن وقعت النفس بمحظورٍ وجبَ الاستغفار ولزمت
التوبة: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ
ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}([27]),
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}([28]),
والله لا يحملنا ما لا نطيق: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً
إِلاَّ وُسْعَهَا}([29]),
والحسنات منهُ, والسيئات منا: {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ
مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ}([30]),
{فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا}([31]),
وإن لامتك نفسك:{ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}([32]),
وكنت من الذاكرين ولم تكن من
الغافلين: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً
وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ
الْغَافِلِينَ }([33]),
ستكون نفسك مطمئنة: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ
}([34]).
وإلى لقاءٍ مع
ج2: أهمّ التحصينات من الشياطين قريباً إن
شاء الله
" سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ
إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ"
وَصَلِّ اللهمَّ وسلمْ وبارك وترحَّم على عبدك ورسولك محمد النبي الأعظم وعلى
اله وصحبه أجمعين, والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق